كلمة مريم الجعجع في المنتدى العربي للتنمية المستدامة 7 آذار/ مارس 2024

كلمة المدير العامة للعربية لحماية الطبيعة، مريم الجعجع

المنتدى العربي للتنمية المستدامة، الذي استضافته الإسكوا UNESCWA

الجلسة العامة الرابعة: تحول النظم الغذائية في بيئة متعددة الأزمات (الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة)

7 آذار/ مارس 2024

 

شكراً جزيلاً على الدعوة،

إن مفهوم نهج الترابط الثلاثيtriple nexus  ليس جديداً، ولكنه يبقى أهم مفهوم لمعالجة انعدام الأمن الغذائي في ظل الأزمات الممتدة والحروب والاحتلال، فهو يعتمد على الترابط بين المدى القصير الذي يختص بالدعم الاغاثي أو الانساني، والبعيد أي التنموي، وبناء السلام، فهو نهج يمكنه أن يضمن العدالة والفعالية في نفس الوقت إذا تطبّق في شموليته.

 

تكمن أهمية هذا النهج أنه يتخطى مبدأ بناء المرونة الرائج ((resilience الذي لا يتبنى في مضمونه، في معظم الأحيان، مفاهيم أساسية كأهمية معالجة الأسباب الجذرية للهشاشة ووقف النزاعات والوقاية منها.

 

هناك أطر طوعية وتوصيات متوفرة تترجم الترابط الثلاثي الى مبادئ مثل إطار العمل حول الأزمات الممتدة FFA، وتوصيات أخرى أطلقتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ولكن جميعها تبقى فضفاضة وغير ملزمة، ولم تطبق بشكل شمولي في أي مكان حتى الآن، وان كانت هناك بعض المبادرات الخجولة للتقدم بها.

 

وحتى يصبح الترابط مؤثراً؛ فهناك العديد من التحديات لتي يجب أن نتجاوزها أولها تعريف الركائز الثلاث، خاصة ركيزة السلام ومعايير نجاحها، وأهم معيار هو العدالة حتى يكون السلام مستداماً، ولا يقتصر على اجراءات أمنية تعالج أعراض النزاع، وليس أسبابه الجذرية وأوضح مثال على ذلك النتائج الكارثية لاتفاقيات السلام مع الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن.

ثانياً، سيبقى مفهوم الترابط الثلاثي هلامي وفي خانة النظريات إذا لم يترجم إلى خطة عمل حقيقية بخطوات مؤسسية وإدارية وسياساتية مع توزيع أدوار ومسؤوليات واضحة، بالإضافة الى إطار رقابي ومؤشرات نجاح.

 

ثالثاً، يجب تحديد معنى الاتساق أو الموائمة بين الركائز الثلاث – ليس المطلوب من المنظمات أن تفقد اختصاصاتها أو أن تتولى العمل بكل الركائز، ولكن عليها التنسيق والتعاون بحيث تدعم كل منظمة الأخرى، أو على الأقل لا تتعارض معها، للحصول على نتيجة جمعية أكثر نجاحاً. مثال بسيط، لا يجب أن ترسل الدول معونات غذائية لشعب دولة، وفي نفس الوقت تمويل استدامة الحرب فيها.

 

في الكثير من الأحيان يتوفر تنسيق بين المعنيين بالعمل الإنسانيhumanitarian cluster، وأحيانا بين المعنيين بالعمل التنموي، ولكن ونادراً ما يتم الجمع بين الركيزتين مع الركيزة الثالثة وهي السلام العادل الذي يشمل ضمان حقوق الشعوب.

 

إن أساس تفعيل هذا النهج ليس بيد المنظمات العاملة في الركائز الثلاث، بل هو بيد الدول وخاصة الممولة منها؛ فالتحدي الحقيقي هو عدم توفر الإرادة السياسية لهؤلاء حيث إننا لا نرى دعماً حقيقياً لهذا النهج من ناحية التمويل أو من الجانب السياسي، لا بل في الواقع نرى التمويل والتجييش السياسي في الاتجاه المعاكس وخاصة من دول الـ OECD التي تبنت نظرياً مفهوم الترابط الثلاثي، من الأمثلة على ذلك:

  • تسليح للغذاء واستخدامه كأداة عقابية بهدف الإبادة الجماعية في غزة، وهنا تخطينا مرحلة إعطاء الدلائل والإحصاءات ونرى الفشل ليس بالترابط الثلاثي فحسب بل بالإنسانية ككل.
  • تسييس للدعم الإنساني، ليس فقط من الدول، بل من المنظمات الدولية الأممية كما حصل في اليمن.
  • عسكرة وتمويل الحروب البينية كما يحدث في السودان، واستدامة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين وسوريا ولبنان.
  • الدعم التنموي أيضاً مسيس ومشروط كما في سوريا، حيث منع عنها الدعم التنموي من الدول والمنظمات الأممية.
  • هناك تهميش للتنمية المحلية العادلة والمستدامة المبنية على قطاعات إنتاجية حقيقية ونظم غذائية محلية متينة، بل هناك بناء منهجي لاعتمادية أكبر على السوق العالمي.

 

ما نحتاجه لتفعيل نهج الترابط الثلاثي:

  • ضمان احترام القانون الدولي وبلا ازدواجية معايير من واضعيه.
  • احترام التزامات الدول خارج نطاق أراضيها extraterritorial obligations.

 

المتطلبات الأكثر الحاحاً الآن:

  • ضغط الدول العربية بشكل موحد لوقف الإبادة في غزة عبر استخدام كافة الوسائل الاقتصادية والسياسية واللوجستية وغيرها إن تطلب ذلك.
  • وقف كافة أشكال التطبيع التي تشجع على ارتكاب الابادة وعدم السماح للغذاء بالمرور لطرف واحد دون الطرف الآخر.
  • التوقف عن دعم الحروب البينية العربية ولعب دور أكبر في إيجاد منابر مستقلة لوقف النزاع تحقيقاً للسلم الأهلي.
  • تحقيق السيادة الغذائية التي من دونها ليس هناك سيادة سياسية.
  • مواجهة ازدواجية المعايير في منظومة "الشرعية الدولية"، والتي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسنجر بأنه لا ينبغي الخلط بين الشرعية والعدالة legitimacy and justice؛ فالشرعية هي اتفاق بين القوى الكبرى حول ترتيبات السياسة الخارجية المسموح بها بغض النظر عن العدالة، أما نحن فنصر على تحقيق "العدالة" ووضع كل النظام الدولي القائم تحت المحاسبة وإلا سيستمر تكريسه كأداة للاستعمار الجديد.